الخميس، 30 يوليو 2015

سوريا رحلة الآلام .. عبور البلقان


عندما وصلت إلى مدينة سالونيك في أقصى شمال اليونان ، تابعت طريقي مع مجموعة من اللاجئين السوريين نحو بلدة بولي كاسترو اليونانية التي تقع على مقربة من الحدود المقدونية بمسافة تزيد عن 18 كيلو متر . 

رفض موظف الحجز بمحطة قطار سالونيك ، قطع تذاكر لنا من سالونيك إلى بولي كاسترو ، بحجة أننا لاجئين ، فتشنا عن طريق آخر للوصول إلى البلدة ، اشار لنا بعض اللاجئين أن نستعين بسيارات الأجرة ، وعندما حاولنا الاستعانة بإحدى السيارات ، طرح السائق أمامنا أرقاما خيالية لنقلنا إلى البلدة التي تبعد عن موقعنا في سالونيك حوالي 50 كيلو متر .


انتابنا شعور من الإحباط واليأس ، نصحنا أحد المواطنين اليونانيين أن نذهب الى محطة الاتوبيسات في سالونيك ، لننطلق منها الى بلدة بولي كاسترو ، توجهنا الى المحطة ، واستطعنا الحصول على تذاكر سفر من موظف حجز المحطة ، وعندما حان موعد الصعود للاتوبيس ، رفض بداية سائق الاتوبيس السماح لي بالصعود ، وتذرع أن ورقة مغادرة اليونان ( الخارطية) التي أصدرتها السلطات اليونانية في كامب جزيرة خيوس لا تخولني التنقل في كافة أرجاء اليونان وخاصة في المناطق الحدودية ، طلبت من السائق أن يتفهم حالة اللاجئين السوريين ووضعنا الحرج ، صمت السائق للحظات قليلة ، ثم وافق على صعودنا للاتوبيس .



انطلق بنا الاتوبيس الى بلدة بولي كاسترو ، وعندما وصلنا البلدة بعد حوالي ساعة ونصف ، توجهنا الى مقهى البلدة للتزود ببعض الماء والعصائر الطبيعية ، عند المقهى تجمعت بعض السيارات ، كانت تنقل اللاجئين من البلدة الى قرية إفزوني اليونانية المحاذية لحدود مقدونيا . 


صعد اللاجئون تباعا الى السيارات التي كانت تقل أربعة لاجئين وكان كل لاجئ يظهر بيده ورقة المغادرة ( الخارطية) للسائق ويدفع له مبلغ 5 يورو مقابل نقله للقرية الحدودية التي تبعد عن بولي كاسترو حوالي 18 كيلو متر ، وعندما جاء دور صعودي الى السيارة ، قدمت للسائق ورقة مغادرتي ، نظر السائق للورقة وأشار برأسه بعلامة الرفض ، ثم قال إنه لا يستطيع نقلي لإفزوني ، لأن ورقتي لا تخولني الوصول إلى هذه القرية ، رغم أن جميع اللاجئين كانوا يصلون إليها عبر سيارات الأجرة ، فالسائق يريد أن يخلي مسؤوليته تجاهي ، بذريعة أنه لا يريد مخالفة القانون ، مع العلم أن السلطات اليونانية ، تعلم مسبقا أنني سأغادر اليونان باتجاه بلدان أوروبا الغربية ولن أمكث طويلا في اليونان .


لم يكن أمامي سوى المشي سيرا على الأقدام من بولي كاسترو إلى قرية إفزوني الحدودية ، وفي منتصف الظهيرة وتحت لهيب الشمس الحارق ، مشيت برفقة ثلاثة من اللاجئين السوريين الذين كان حالهم كحالي ، وقطعنا المسافة المطلوبة بحدود 5 ساعات من المشي المتواصل . 


عندما وصلت لقرية إفزوني ، شاهدت جروب كبير جدا للاجئين السوريين ، كان عناصر الجروب متجمعين بالقرب من فندق هاره الذي كان يقع في أطراف القرية ، ويعتبر نقطة انطلاق رئيسية للحدود المقدونية . 



التحقت بعناصر الجروب ، تفاجأت بالكثير من اللاجئين السوريين الذين كان معظمهم من العوائل المسيحية السورية وكذلك من الشباب الدروز السوريين ومعهم أيضا أعداد كبيرة من الاكراد السوريين ، ومثلما تفاجأت برحيلهم من قراهم وبلداتهم ، تفاجأوا أيضا بوجودي بينهم ، فالكثير منهم لم يكن يتوقع يوما أنني قد أكون بينهم في مثل هكذا رحلة قاسية .


انطلقنا جميعا نحو الحدود المقدونية جنبا الى جنب ويدا بيد خوفا من هجوم قطاع الطرق علينا لسلبنا أموالنا وأمتعتنا ، خلال الطريق تناقشت مع الكثير من الشباب السوريين من المسيحيين والدروز والكورد حول مستقبل سوريا ، وعن دور نظام الاسد في ترحيل المكونات الأساسية للشعب السوري رغم إدعائه الكاذب بحماية المكونات السورية من الإرهاب .


وبعد أن مشينا من قرية إفزوني الى نقطة الحدود المقدونية حوالي 4 ساعات من المشي المتواصل ، وصلنا مع حلول الظلام  ﻷول سكة قطار مقدونية ، وعند السكة ، أوقفنا عناصر الجيش المقدوني ، وطلبوا منا الجلوس أرضا وإحصاء عددنا وتقسيمنا إلى ثلاث مجموعات . 


أوعز إلينا ضباط الجيش المقدوني أن نستريح في الغابة المحاذية لسكة القطار ، وأن ننتظر لصباح اليوم التالي ، حتى يسمح لنا بالمرور فوق سكة القطار والوصول الى بلدة جفجيليا المقدونية ، أمضيت الليل في الغابة برفقة اللاجئين السوريين ، وعندما شعرت بالتعب ، لم يكن بوسعي سوى النوم في أرض الغابة كما فعل الكثير من اللاجئين السوريين ، الذين افترشوا أرض الغابة من شدة التعب والإرهاق بعد يوم كامل من المشي الطويل عبر البلدات اليونانية .  


في الصباح الباكر ، انتظرنا إشارة العبور من الجيش المقدوني ، وما أن أشرقت الشمس واقتربت من الظهيرة ، حتى سمح لنا بدخول مقدونيا ، مشينا فوق سكة القطار مسافة 2 كيلو متر حتى وصلنا محطة قطار بلدة جفجيليا المقدونية .


جلسنا ننتظر في المحطة وصول القطار الذي سينقلنا نحو المقدونية - الصربية ، كانت تعليمات السلطات المقدونية أن يحصل اللاجئون على ورقة مغادرة قانونية من مركز الشرطة في محطة قطارات بلدة جفجيليا . 


انتظرت يوما كاملا في محطة القطارات للحصول على ورقة المغادرة من السلطات المقدونية ، رغم أن الكثير من اللاجئين لم يكترثوا بالحصول على هذه الورقة ﻷن دخولهم مقدونيا مجرد طريق عبور للوصول الى صربيا ، وعندما حصلت على ورقة المغادرة ، صعدت في مطلع الفجر الى القطار الذي كان يعج باللاجئين السوريين وبعض الجنسيات الأخرى ، وكان مشهد التدافع والتزاحم على صعود القطار ، اشبه بخلية النحل .


انطلق بنا القطار من بلدة جفجيليا إلى بلدة كامانوفا ، كانت المسافة بين البلدتين المقدونيتين حوالي 200 كيلو متر ، ومن كامانوفا تابعنا مسيرنا نحو بلدة لوجيان الحدودية مع صربيا ، وقبل دخولنا صربيا تفرق اللاجئون السوريون الى مجموعات صغيرة ، كل مجموعة اختارت طريقها ، مجموعتنا كانت مؤلفة من ثلاث نساء وخمسة أطفال وثلاثة رجال ، وعند خروجنا من بلدة لوجيان المقدونية ، اختلط علينا الأمر بين حدود مقدونيا وكوسوفا ، اخترنا المشي باتجاه الجبل ، وإذ بنا ندخل حدود كوسوفا ، وقد ظهر لنا أننا في الطريق الخاطئ عبر اشارة الجي بي أس ، عدنا إلى الطريق العام الفاصل بين حدود مقدونيا وصربيا وكوسوفا ، ثم سرنا بمحاذاة الجبل دون الصعود إليه والتوغل فيه كثيرا ، حاولنا التواري عن أنظار البوليس الصربي  إلى أن دخلنا بلدة ميراتسو الصربية ذات العرقية الألبانية . 


استقبلنا أهالي البلدة بالترحاب وقدموا لنا بالتعاون مع الصليب الأحمر بعض الماء والطعام ، وطلبوا منا السير نحو الكامب في بلدة بريشيفو للحصول على الأوراق القانونية ، كالتي حصلنا عليها في اليونان ومقدونيا . 


بعد استراحة قصيرة في بلدة ميراتسو انطلقنا نحو بلدة بريشيفو كان الازدحام كبيرا في كامب بلدة بريشيفو واضطررنا للنوم أمام ارصفة المحلات والبيوت واثناء نومنا أمطرت علينا السماء فاضطررنا لحمل فرشاتنا بحثا عن مكان للنوم وفي اليوم التالي انطلقنا بالقطار من بلدة بريشيفو الى العاصمة بلغراد ، ومنها انطلقنا بالاتوبيس إلى بلدة كانيجا الصربية الحدودية مع المجر ، لتنتهي رحلة عبور بلاد البلقان وتبدأ رحلة عبور حدود المجر "خط الدفاع الأول" عن بلدان أوروبا الغربية .


الثلاثاء، 28 يوليو 2015

مشهد محرج محذوف لنجمة البورنو رغدة

إباحة الجنس في سوق الفتاوى بين شيوخ السنة ومراجع الشيعة تقرير مهم وخطير ...

بعد منعه لثلاث مرات ( الجنس المستباح عند العلويين والشيعة ) وثائقي خطير ...

طبيبة إسرائيلية تحرج ملايين العرب والمسلمين

الأحد، 26 يوليو 2015

سوريا رحلة الآلام .. عبور البحر نحو اليونان

في صباح يوم الثلاثاء الموافق للسابع من شهر يوليو ، انطلقنا على متن قارب مطاطي (بلم ) طوله 9 أمتار وعرضه حوالي مترين ، وكان عددنا أربعين رجلا وامرأة وخمسة عشر طفلا . 

بدأت رحلتنا بتدريب المهرب التركي لشاب سوري من اللاجئين يدعى عبودي لقيادة القارب المطاطي ، لأن المهرب لا يشارك بمثل هكذا رحلة خطيرة ، ودوره ينتهيعند جلوس اللاجئين على متن القارب ، لأنه في حال إلقاء القبض على المهرب سيحاكم بجناية تهريب البشر التي تصل مدة محكوميتها بالسجن بحسب القوانين الدولية من 7 إلى 15 سنة . 


في تمام الساعة الثامنة صباحا صعد اللاجئون تباعا إلى القارب المطاطي وهم في حالة رهاب وخوف ، وجميعهم ارتدى سترة الإنقاذ في حال حصول الغرق . 


صعدت آخر شخص إلى القارب ،بمبادرة شخصية مني حتى تأكدت أن الكل صعد ، ولتفضيل صعود  النساء والأطفال والرجال على صعودي ، فسبب وجودي هنا مشاركة الشعب السوري مأساته ومعاناته ولأسير معه في رحلة الآلام وصولا للحرية والسلام المنشود .


بدأ القارب المطاطي يشق عباب بحر إيجه من جزيرة جشمه التركية نحو جزيرة خيوس اليونانية التي تبعد حوالي عشرين كيلو متر بات الارتباك واضحا على وجوه اللاجئين في نصف الساعة الأولى من موعد الانطلاق ، وبدأ النساء والأطفال يستفرغون ما في بطونهم من طعام وشراب بسبب اصابتهم بدوار البحر ، رغم أننا لسنا في بحر مفتوح ، لكن رهبة البحر الموت تدفع الإنسان للتقيؤ في مثل هكذا حالات. 


وعند اقترابنا من المياه الأقليمية اليونانية ، تنفس اللاجئون السوريون الصعداء ، وبدأ السائق عبودي يشجعهم على الغناء ، ويرسم في مخيلتهم روعة اليونان وحنانها عليهم كلاجئين ، وراح الجميع يغني بشكل لا شعوري اغاني من التراث الشعبي السوري ، لطرد الخوف من النفوس ،ففي أسوأ الحالات لو اقتربت منا قوات خفر السواحل اليونانية ،ستقوم إما بمحاصرتنا لدفعنا للتراجع إلى المياة التركية ، أو ستقوم بإنقاذنا وسحبنا إلى الشوطئ اليونانية في حال تعاطفت معنا وقررت مساعدتنا من دون مضايقات . 


 ولحسن حظنا لم تعترضنا قوات خفر البحرية اليونانية ، ولم تتحرك باتجاه قاربنا المطاطي ، رغم أننا كنا قبالة جزيرة خيوس ، وبمواجهة منازل اليونانيين ، وقبل وصولنا الشواطئ اليونانية بحوالي 4 كيلو متر ، تعطل محرك القارب المطاطي ، ولم يعد يعمل بسبب طول ساعات الإقلاع التي أرهقت المحرك ،وقد تعدت ساعات عمل المحرك حوالي ساعتين ونصف الساعة .


وفي العادة تتعطل أغلب محركات القوارب لأن المهربين لا يضعون محركات ذات قدرة تشغيلية عالية ، بل يستخفون بحياة اللاجئين ، ويضعون محركات صينية بنوعية رديئة . 


عندما توقف القارب وسط البحر سدت حالة من الرعب والخوف في نفوس اللاجئين السوريين ، وخلال بضعة دقائق ، قام أحد اللاجئين بإعادة تشغيل المحرك ، اشتغل المحرك لأول مرة ولكن دون أن يسير القارب خطوة واحدة ، اعدنا المحاولة لمرة ثانية ، فاستجاب المحرك وانطلق القارب نحو الشاطئ ، وقبل وصولنا الشاطئ اليوناني ، ارتفعت أيادينا للأعلى بإشارات التحية للمواطنين اليونانيين ، وعند وصولنا رمال الشاطئ،  نزلنا جميعا ، وتوجهنا للشرطة اليونانية لتسجيل دخولنا بشكل قانوني .





التقينا في طريق صعودنا لأعلى الجزيرة بضابط يوناني من قوات البحرية اليونانية ، قام بتسجيل اسماءنا بدءا من الأطفال فالنساء ثم الرجال ، وأحضرت لنا الشرطة اليونانية ماء للشرب لحين وصول الباص إلينا ، وعند وصول الباص ، تم نقلنا إلى كامب الجزيرة المخصص لإيواء اللاجئين بشكل مؤقت لحين تخليص الإجراءات القانونية . 


وصلنا إلى الكامب بعد حوالي نصف ساعة من انطلاق الباص ، كان الكامب عبارة عن سفح جبل مرتفع عن سطح البحر ، وقبل دخولنا للكامب ، سلمنا أجهزة الاتصالات الخليوية لعناصر الأمن اليوناني ، ودخلنا إلى باحة الكامب التي بدت ممتلئة بالنفايات ومخلفات الطعام  نتيجة تكدس أعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات مختلفة في المكان الضيق . 


كانت غرف الكامب عبارة عن مهجع عسكري ، لا يوجد فيها حمامات صالحة للاستخدام ، وكانت أغطية الأسرة متسخة وليست نظيفة ، رغم أن الكامب في أيام افتتاحه الأولى قبل حوالي ثلاث سنوات كان في أحسن حالاته ، مقارنة بحالته المتدهورة اليوم .


وبعد دوراني في مختلف أجنحة الكامب ، عثرت أخيرا على غرفة صغيرة تتسع لثلاثة أشخاص ، لا يوجد فيها حمام ولا كهرباء ، لم يكن فيها سوى صنبور (حنفية) ماء للغسيل ، وكانت هناك الكثير من العوائل السورية لم تستطيع النوم في غرف الكامب لأن الغرف لم تتسع لجميع اللاجئين الوافدين . 


كان طعام الكامب عبارة عن وجبتين في اليوم الواحد ، غداء وعشاء ، وجبة الغداء كانت عبارة عن طبق أرز مع قطعة لحم دجاج ورغيف خبز  ، أما وجبة العشاء كانت عبارة عن طبق معكرونة مع زجاجة ماء . 


في اليوم الثاني من دخولنا الكامب ، اتممنا كافة الإجراءات القانونية التي شملت تصويرنا وتبصيمنا وانتهت الاجراءات ، بمنحنا ورقة طرد ( خارطية ) مدتها ستة أشهر ، خلال هذه الفترة نستطيع الإقامة في اليونان بلا مشاكل ، وبعد انقضاء المدة ، نصبح مطالبين بالحصول على الإقامة ، لكن أغلب اللاجئين يغادرون اليونان في اليوم التالي كما حصل معنا ، حيث قررت المغادرة إلى أثينا بالباخرة ومنها إلى سالونيك بالقطار ، لتبدأ بعدها رحلة الدخول إلى مقدونيا .

الجمعة، 17 يوليو 2015

سوريا رحلة الألم على طريق الأمل


كان يوم السابع من يوليو الجاري ، فصل جديد من فصول المأساة الطويلة التي يعيشها الشعب السوري مع بداية انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد في منتصف مارس 2011 .
ففي هذا اليوم عزمت الانطلاق نحو اليونان ، كأحد أهم المحطات الرئيسية في رحلة الشتات والتيه التي كنت قد بدأتها من سوريا إلى مصر قبل تسع سنوات ، وها هو اليوم تتكرر رحلة الشتات من جديد ولكن هذه المرة نحو اليونان ، كمحطة أولى ، تليها محطات أخرى سأكتب عنها بكل أحداثها وتفاصيلها .
فبعد استنفاذ كل السبل والطرق في السفر القانوني نحو أوروبا ، نتيجة مماطلة بعض الدول بسبب البيروقراطية والروتين وعدم تقديرها الإنساني لحالتي كناشط سياسي وإعلامي معارض لنظام الأسد الديكتاتوري ، وبعد أن ماطلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة في تحريك ملفي لديها نحو الدول الكبرى التي تستقبل طلبات توطين الناشطين والمعارضين السياسيين ، قررت السير في الخيار الأخير ، بكل ما يحمله من أوجاع ومتاعب ومخاطر ، لأقاسم الشعب السوري مأساته ومتاعبه ولأشاركه رحلة الشتات والألم ، ولأشعر بآلام أطفال سوريا التي يخفق قلبها خوفا وجزعا ، أثناء الإبحار فوق أمواج البحر بعد أن خفقت قلوبهم رعبا من الصواريخ والقنابل وبراميل بشار الأسد التي دمرت بيوتهم وحطمت أحلام براءتهم .
في هذا اليوم العصيب كنت واحد من المواطنين السوريين الهاربين من جحيم المحرقة الأسدية ، وأسقطت عن نفسي كل الأوسمة والرتب والشهادات ، وقررت أن أكون واحدا من اللاجئين السوريين أقودهم نحو الأمل ويقودونني نحو الألم كما قاد موسى شعب إسرائيل قبل آلاف السنين من العبودية إلى الحرية .
الشعب السوري في محنته ومأساته أصبح كالجريح الذي يحتاج لمن يضمد جراحه ويحرص على رفع معنوياته بالخلاص والانعتاق من الظلم والقهر ، فلم يدع وسيلة للهروب من المحرقة الأسدية والجحيم الأسود ، إلا واستخدمها سواء بالبحر المتوسط أو مشيا بالغابات لمسافات طويلة أو باللجوء نحو بلدان الجوار السوري .
بدأت رحلة الألم من مدينة استانبول إلى مدينة أزمير على شواطئ بحر إيجه المحاذي للجزر اليونانية ، استغرق الطريق من اسطنبول لأزمير في الاتوبيس حوالي 10 ساعات ، وعند الوصول لأزمير ، بدت حشود اللاجئين السوريين تملأ ساحات وطرقات المدينة التي لم يكن يعرفها إلا القلائل من الشعب السوري قبل بدء الحرب .
عند الوصول لأزمير توجهت إلى ساحة ميدان بصمني الذي يقع في وسط المدينة القديمة بأحيائها العتيقة ، والتي اكتظت فنادقها الشعبية بآلاف اللاجئين السوريين الذين ينوون الانطلاق نحو اليونان .
فضلا عن وجود المقاهي والمطاعم التركية التي تحولت بشكل آلي لمطاعم سورية بواجباتها السريعة التي تقدمها للاجئين السوريين على عجل لاستمرار تدفقهم اليومي نحو ميدان بصمني .
بعد الوصول إلى ميدان بصمني بدقائق قليلة ، بدأت رحلة البحث عن سمسار أمين أو ما يعرف بين اللاجئين باسم (المهرب ) وغالبا ما يكون هؤلاء السماسرة من الشباب السوريين الذين يعملون لدى السماسرة الأتراك الذين يسهلون لهم إجراءات ووسائل التهريب عبر البحر مقابل مبالغ مالية ضخمة يقدمها اللاجئين السوريين .
ما أن جلست في المقهى حتى تكاثر السماسرة السوريين من حولي ، يعرضون خدمات التهريب السريع عبر البحر ، كنت حذرا في التعامل معهم لناحية وفائهم بعدم سرقة المبلغ الذي سأضعه لديهم بشكل مباشر ومن دون ضمانات أو سندات قانونية مكتوبة ، ولجهة وفائهم بتنفيذ الرحلة في وقتها المحدد وعدم التهرب من تنفيذها بحجج واهية ،كما يحصل مع الكثير من اللاجئين السوريين الذين يفقدون أموالهم ووقتهم مع هؤلاء السماسرة بلا طائل .
وباعتبار كوني شخصية إعلامية وسياسية يعرفها الكثير من أبناء الشعب السوري والشعوب العربية ، سواء الذين يؤيدون الثورة أو الذين يعارضونها ويقفون مع نظام الأسد ، لم يكن صعبا على السمسار أبو خليل من التعرف علي مباشرة ، لابل أنه تفاجأ عندما عرف أنني أنوي الخروج عبر البحر نحو اليونان ، فكان التعامل بيننا بمنتهى الجدية والالتزام بالوقت .

وبعد الاتفاق على كل ترتيبات الخروج بالبحر مع السمسار ، أشار لي بضرورة شراء معدات الخروج لضامن أمني وسلامتي في حال تعرض القارب المطاطي ( البلم ) لموجة عاتية أو للغرق في عرض البحر ، فلم يكن أمامي سوى الذهاب إلى محل بيع رداء النجاة ( طوافات ) وشراء عجلة هوائية التي يشتريها جميع اللاجئين السوريين في كل رحلاتهم بالبحر .
جلست انتظر في مقهى السندباد من ظهيرة يوم السابع من يوليو حتى مساء اليوم نفسه، انتظرت إشارة التحرك من أبو خليل ، وكان المقهى الشعبي قديما جدا ، يعج باللاجئين والمغادرين السوريين من الشباب والرجال كما لو كان هذا المقهى مطارا دوليا .
شعرت خلال مكوثي الطويل بالمقهى بالتعب والنعس والإرهاق الشديد والملل من طول وقت الانتظار ، الذي توزع بين السفر الأول من استانبول لأزمير والسفر الثاني من شواطئ أزمير إلى جزر اليونان ، فكان يوما شاقا طويلا لم تعرف فيه عيناي النوم لحظة واحدة .
استسلمت للنوم في المقهى ثلاث مرات ، رغم الضوضاء والضجيج والحر الشديد لكثرة الزبائن اللاجئين ، وخلال هذا الوقت الطويل تعرف إلي الكثير من اللاجئين السوريين ، وكان كل لاجئ يحمل على ظهره حقيبة صغيرة تحتوي على لباس داخلي وخارجي وأوراق ثبوتية قانونية لإثبات الشخصية أم السلطات الأوروبية .
وما أن هبط الليل وحل الظلام ، حتى وصلتني إشارة البدء من السمسار أن اتجهز للانطلاق مع اصدقائي نحو الرحلة المرتقبة ، انتظرنا وصول السمسار بضع دقائق وعند وصوله غادرنا المقهى بالمشي سيرا على الأقدام لمسافة 3 كليومتر وبشكل متباعد بين كل شخص و آخر ، حتى لا نلفت انتباه السلطات التركية ، رغم أن جميع السكان الاتراك يعرفون أننا لاجئين سوريين ، وصلنا إلى كورنيش مدينة أزمير المطل على شاطئ بحر ايجه ، أجلسنا السمسار على مقاعد الشاطئ على شكل مجموعات كل مجموعة تضم خمسة أشخاص ، وقال علينا انتظار قدوم السيارات بعد حوالي نصف ساعة كحد أقصى، وما أن وصلت السيارات حتى طلب منا السمسار بالصعود إليها ، وأخبرنا أن دوره انتهى عند هذه المرحلة وسيبدأ دور زملائه السماسرة الأتراك في المحطات القادمة كل بحسب اختصاصه.
صعدنا في أربعة سيارات سياحية حديثة ، وكان عدد كل مجموعة 5 أشخاص ، وانطلقت بنا السيارات بشكل عاجل نحو غابة كبيرة في أطراف مدينة أزمير .
وعند وصولنا للغابة التي بدت مظلمة بشكل كامل ولا يوجد فيها أي حركة سير أو مرور ، ولا يصل إليها إشارة بث من أبراج الاتصالات الخليوية وأصبحنا معزولين عن العالم الخارجي بشكل كامل .
نزلنا من السيارات للغابة المعتمة ، وبدأ بعض السماسرة الاتراك الذين استقبلوننا بغضب شديد في منتصف الغابة بالصراخ بأعلى صوتهم على اللاجئين السوريين وظهرت رعونتهم بشكل كبير علينا ، طلبوا منا السير في الغابة والصعود لسفح الجبل والجلوس بين أحراش الأشجار لبعض الوقت .
جلسنا ننتظر بين الأشجار ، وبدا كل شيء من حولنا هادئا ، كان الهواء باردا جدا كما لو كنا في فصل الشتاء ، وعندما طال وقت الانتظار في الغابة لمدة اربع ساعات ، استلقى الكثير من اللاجئين والأطفال على ظهورهم وافترشوا الأرض والتحفوا السماء .
نام اللاجئين على سفح جبل الغابة من شدة التعب والإرهاق ، ولم يكن بمقدوري سوى النوم والاستلقاء على الظهر ، وعند الاستلقاء كان منظر النجوم والقمر في صفحة السماء رائعا جدا ، وبدأت أفكر بالمصاعب التي تنتظرني في اليوم التالي ، وبزوجتي وأطفالي الصغار الذين تركتهم في القاهرة، بعد أن خرجت منها مكرها مرغما، بعد أن أقمت فيها في رحلة الشتات الأولى تسع سنوات نتيجة الضغوط السياسية وتغير المزاج المصري تجاه الثورة السورية ورهانه الخاطئ على نظام الاسد في الوقت الضائع .
مرت الساعات الأربع في الغابة بشكل طويل جدا ، لكثرة التفكير والقلق الذي كان يساورني في حال فشل الرحلة والعواقب المترتبة عليها ماديا ونفسيا ، فهذه آخرمحاولة وآخر خيار بعد أن أغلقت كل الأبواب .
قبل طلوع الفجر بلحظات قليلة ، وصل إلينا سمسار سوري وآخر تركي ، أخبرونا بالاستعداد للانطلاق نحو نقطة الخروج بالبحر ، استيقظ اللاجئون من نومهم وحملوا حقائبهم على ظهورهم واصطفوا في رتل طويل كما طلب السمسار ، وكان عدد اللاجئين أربعين لاجئا من الرجال والنساء وخمسة عشر طفلا ، انتظرنا بضعة دقائق نتفقد بعضنا في عتمة الليل ، وبعدها أبلغنا السمسار أننا جاهزون للانطلاق .
فتح السمسار باب الحافلة المغلقة وطلب منا الصعود إلى الحافلة بسرعة ، كانت الحافلة عبارة عن سيارة نقل مغلقة تشبه سيارة الإسعاف طولها ثلاثة أمتارونصف وعرضها مترين ، طلب المهرب من النساء والأطفال بالصعود أولا وبعد ذلك صعد الرجال ، تجمعنا داخل الحافلة التي لا تتسع لأكثر من عشرين شخص بأحسن الأحوال ، وهي مخصصة أصلا لنقل البضائع وليست مخصصة لنقل الأفراد ، أغلق باب الحافلة بعصبية زائدة ، كنا متكدسين داخل صندوق الحافلة ، كان الصندوق ضيق جدا ومعتم ولم يكن داخل الصندوق سوى نافذة صغيرة للتنفس أعلى سقف الصندوق .
انطلقت الحافلة بسرعة كبيرة في طرقات وعرة لبعض الوقت وبعدها بقليل انتقلت لطريق معبد بالإسفلت ، لم نكن نشاهد الطريق لأن الرؤية كانت محجوبة عنا ، لكننا كنا نشعر بالطريق من كثرة المطبات التي كنا نتلقاها داخل الحافلة .
خلال سير الحافلة من الغابة إلى نقطة الخروج بالبحر الذي استغرق حوالي ساعتين ونصف ، أصيب الكثير من الشباب والاطفال والنساء بالدوار والغثيان والتقيؤ نتيجة الحر الشديد ونقص الاوكسجين داخل الصندوق ، بدأ الشباب من حوالي يتساقطون واحدا تلو الآخر ، كما لو كانوا أحجارا على رقعة الدومينو المتساقط ، بقيت صامدا مع القليل من الشباب الذين يتمتعون ببنية قوية ، قمنا بإسعاف المصابين داخلالصندوق من خلال رفعهم للأعلى نحو النافذة الهوائية أعلى سقف الصندوق أو من خلال رشالماء على وجوههم وإعطائهم قليلا من الماء للشرب واستعادة توازنهم المفقود .
لم يكن سائق الحافلة التركيالذي يعمل مع شبكات التهريب يستجيب لندائنا بالتوقف وفتح باب الصندوق للتهوية والتقاط اللاجئين لأنفاسهم وجعلهم يستريحون قليلا من التعب في أضلاعهم وعظامهم التي تربعت من التكدس الشديد .
بدأ صراخ اللاجئين يعلو داخل الحافلة فما كان من السائق التركي إلا أن أوقف الحافلة ، ظننا للوهلة الأولى أننا وصلنا للنقطة ، فرحنا كثيرا ، لكن فرحتنا لم تدم طويلا ، حتى فتح السائق باب الصندوق وقال بغضب شديد ، اسكتوا واصمتوا ولا أريد أن اسمع ضجيجكم وأصواتكم داخل الصندوق ، لأنني سأمر من مكان قريب من وجود الجندرما ( قوات حرس الحدود التركي ) وإذا لم تصمتوا سيمنعنا الجندرما من المرور ، كنت قريبا من باب الصندوق ، وبدا الكلام موجها إلي بشكل مباشر ، فأومأت برأسي للسائق أننا موافق لكلامه .
انطلق السائق مسرعا بشكل جنوني ، وبعد حوالي 20 دقيقة وصلنا إلى النقطة المطلوبة ، نزل السائق من الحافلة ، وفتح باب الصندوق ، وطلب منا النزول بسرعة ، نزلنا نلتقط أنفاسنا من شدة التعب والإرهاق ، ثم أشار لنا النزول بسرعة سيرا على الأقدام في وداي عميق في نهايته توجد نقطة الخروج على البحر .
سرنا في وادي عميق ، وهو عبارة عن مجرى نهر جفت مياهه وانقطع جريانه ، وبدا أنه كان يصب سابقا في البحر ، وكان يحيط بالوادي العميق هضاب جبلية مكتظة بالأشجار والنباتات .
بعد حوالي عشر دقائق من سيرنا في الوادي ، ظهرت لنا مياه البحر وقبالتنا ظهرت جبال جزيرة كيوس اليونانية على بعدحوالي عشرين كيلو مترا .
عند وصولنا للنقطة المطلوبة ، ظهر لنا السماسرة الاتراك يقومون بنفخ القارب المطاطي وتجهيز محركه لنقلنا إلى جزيرة كيوس ، طلب السمسار منا الجلوس أرضنا بين حرش الأشجار المحاذية لمياه البحر ،  وعدم الوقف لئلا نكشف أنفسنا لقوات الجندرما التركية ، بدأنا بتجهيز أنفسنا وقمنا بارتداء طوافات الانقاذ وتجهيز العجلات الهوائية للأطفال .
 عندما أصبح القارب المطاطي جاهزا بعد دقائق قليلة وأصبحنا على أتم الاستعداد للانطلاق خلال زمن قصير ، بدءنا بالصعود سريعا على متن القارب المطاطي ،  لتبدأ رحلة الألم نحو الأمل ، رحلة الخوف والهروب من الجحيم التي سأسرد تفاصيلها في الحلقة القادمة بكل أحداثها وتفاصيلها .